"الدولة الاميرية في ميزان الفكر السياسي المعاصر " يحتاج إلى بحث معمق

شكل مفهوم القيادة وصفات القائد على ضوء الفكر السياسي الحديث في شخص مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، الأمير عبد القادر بن محي الدين الجزائري ، محور لقاء أجراه موقع الإذاعة الجزائرية مع الدكتور عيادي سعيد، الذي تطرق بشيء من التفصيل والتحليل والتأصيل لمختلف العناصر المشكلة لشخصه، والتي أسهمت بصورة أو بأخرى ارتقائه بالمسعى النضالي التحرري به إلى مستوى معجز جعله يحتل خانة متقدمة في سلمية قادة العالم في العصر الحديث.

وخلال اللقاء الذي جرى أمس الأربعاء، عشية حلول الذكرى الثامن والعشرون بعد المائة لوفاة الأمير عبد القادر، قال عيادي سعيد، الأستاذ في علم الاجتماع المعرفي: إن تحليلا ما لعمل الأمير عبد القادر يضع المحلل على جبهتين، الأولى خارجية وفيها تتجلى الحنكة الدبلوماسية والعسكري للأمير الذي عرف كيف يرتقى بالواقع القبلي الجزائري إلى مستوى أبلغ يكون في مستوى التحديات التي كانت تحيط بالجزائر يومئذ، ومنها قدرته على تحييد المؤسسة الدينية المسيحية الفرنسية، واستثماره لشواطئ الغرب الجزائري في التحرك إلى الخارج، حيث تشير الحقائق التاريخية إلى دبلوماسية خارقة أدخلت الانكليز في لعبة الضغط على الحدة الفرنسية التي باشرت توسعها في مناطق الوسط الجزائري ...

أما الجبهة الثانية فتتعلق بالشق التنظيمي الداخلي الذي انطلق من مبايعة القبائل له، إلى مرحلة التفاوض مع بقية القبائل، ناقلا في ذلك هم الفرد الجزائر من التركيز على مصلحة القبيلة إلى التفكير داخل إطار جغرافي أوسع، قوامه الأمة، وهي التي أسهم الأمير في إرساء عدد من السلوكات لاقتصادية والتجارية والثقافية والفكرية في بنى مختلف أقاليمها لتخطو أولى خطواتها في إرساء ثقافة الوطن والمواطنة .

وفي حيثيات هذا الحوار يقدم الباحث الجزائري وصاحب كتاب "آليات إعادة البناء الحضاري"، عددا من العناصر التي تكشف على وعي متقدم تميزت به الدولة الأميرية في مختلف أبعادها، الدينية والفكرية والاقتصادية والتاريخية، الشيء الذي شكل فيما بعد مرجع قوي، وإطار ضامن لظهور عدد من الحركات ز الإصلاحية انتهى بها المطاف بعد زمن إلى بلورة مشروع ثوري قاد إلى الاستقلال...هذا إضافة إلى عدد من القضايا يمكنكم متابعتها في هذا الحوار:

*** ما ملامح الشخصية القيادية في شخص الأمير عبد القادر؟

*** الملمح الأول هو الملح العلمي التكويني، فالرجل كان يحوز تكوينا علميا راقيا، حيث في فترة شبابه تنقل إلى بلاد نجد والحجاز، وبلاد الشام، وتركيا، وهناك تلقى الكثير من العلوم، وبالتالي هذا أهله لكي يكون واحدا من أعيان القبائل الذين كان الزمن آنذاك يعتبرهم كقادة تاريخين.

العامل الثاني هو العامل الإنساني، فهو ذو نسب شريف، وعائلته معروفة في معسكر، وخاصة في منطقة القيطنة، عاصمة معسكر .

ثالثا قوة الشهامة والفروسية والقوة وسمات القيادة التي كان يتميز بها شابا، أهلته في الأخير لكي يعين بصفة القائد التاريخي للمنطقة، وللدولة الجزائرية لاحقا.

*** ما مفهوم الدولة الأميرية، أو مفهومة الدولة عند الأمير عبد القادر، من خلال تربعه على عرش المقاومة؟

**** نعم، هناك نقطة أساسية، وهب ما يجب أن نرى في الأمير عبد القادر الذي عين نهائيا قائد للثورة والدولة الجزائرية في 1833 هو شخص كانت لديه رؤية سياسية ودبلوماسية واسعة، فكانت الخطوة الأولى التي أراد أن يفرضها هي الاستيلاء على منطقة وهران، فلما استولى على منطقة وهران ثار الساحل البحري بيده، وهو ما مكنه في نهاية والمطاف من ضرب الفرنسيين بالانكليز، من حيث أنه توصل إلى عقد اتفاقيات مع الانكليز ،وعقود تتيح له إجراء اتصالات تجارية، واقتصادية وما إلى ما ذلك، وهو ما ساعده إلى اكتساب صيتا دوليا ودبلوماسيا واسعا، ساعده بموازاة ذلك على تنظيم العمل العسكري لمواجهة القوات الفرنسية الموجودة في الجزائر .

وهناك علامة قوية أيضا عند الأمير عبد القادر الجزائري، أنه لم يكن يعلن العداء للكاردينال الفرنسي الموجود في الجزائر ديبيش، فكان يتواصل معه، وكان يطلب منه أن لا يبرر دينيا الحرب الفرنسية ضد الأمير عبد القادر، وهو ما مكنه من تحييد المؤسسة المسيحية في حربه ضد القوات الفرنسية، وبذلك نجح فيجعل الثورة تمتد غلة مستوى أفقي وجغرافي واسع جدا، مما أعطى صورة حية عن الأمير عبد القادر السياسي، والمفاوض المحتك، والدبلوماسي القدير.

*** هذا في شق السياسية الخارجية، ماذا عن الجانب التنظيمي الداخلي ؟

*** لو نأتي إلى المنطقة الجغرافية، فالأمير ولد في منطقة القطنة، وهي في ضواحي حمام بوحنيفية بـ 8 كيلومتر ... أما غريس فتبعد عن مدينة معكسر بــ: 22 كيلومتر، والملاحظ أن الأمير عبد القادر كان واعيا بأهمية القبائل في تركيب المجتمع الجزائري، وكانت المبايعة الأولى في غريب تحت الشجرة المشهورة، حيث جمع القبائل التي كانت تقبل لإعطاء المبايعة للأمير عبد القادر، أما بقية القبائل الأخرى فكان يفاوضها من أجل إعطائها الولاء له مقابل تسويات سياسية وعسكرية وقيادية، مما مكنه في سياق ذلك من أجراء المبايعة الثانية ،واحة مدينة معسكر، في المكان الذي يعرف في يومنا هذا بمسجد المبايعة، وهناك تمكن من أن يكتسب على مستوى المنطقة الغربية القبائل التي أعطت له الفرصة والقوة كي تتواصل مع الانتشار القبلي مع بقية القبائل المنتشرة في المناطق الجغرافية في الجزائر، وهو ما أدى بالأمير عبد القادر في نهاية المطاف إلى أن يكسب ولاء مناطق عديدة، والقبائل التي رفضت خيرها بين أمرين، إما أن تدخل في الولاء بعد مفاوضات، وإما أن تتحول إلى عدو فيقاتلها .

*** ما معالم دولة الأمير عبد القادر في ضوء الفكر السياسي الحديث؟

*** نعم، إذا حاولنا أن نتكلم على معالم الدولة الأميرية في الفكر السياسي المعاصر، يمكن أن نضعها ضمن نقاط حديثة جدا

النقطة الأولى هي السمة التشريعية للدولة، فهذه الدولة كانت لها مؤسسات قانونية وسياسية وتجارية، وكانت مهيكلة وفق نصوص وتشريعات محددة، فهذا طابع أساسي وقوي جدا بما يؤكد على أن الأمير من حيث كلاسيكية التفكير السياسي الذي كان يسير به، كان ينتظم وفق سياق كلاسيكي معروف في تنظيم الدول .

النقطة الثانية القوة العسكرية الحامية للحدود الجغرافية التي تمثل القطر الجزائري، وليس لقطر القبائل كما كان سابقا سائدا في تاريخ الجزائر الذي نعرفه

النقطة الموالية هي القوة الإدارية للأمير عبد القادر الجزائري التي مكنته من تقسيم القطر الجزائري إداريا وسياسيا واجتماعيا، وتسيير شؤونه، وتوزيع الثروة الاقتصادية الجزائرية على كامل القطر الجزائري بطريقة تحقق فيها تنمية محلية واستقرارا اجتماعيا وسكانيا.

المسألة الرابعة هي الطابع المعاصر لمؤسسات الأمير عبد القادر، حيث فتح المجال أمام التعليم ونشر الأفكار، ونشر الثقافة بما يسمح للجزائريين في فترة الأمير عبد القادر من أن يكتسبوا صورة كاملة ومتكاملة خول مشروع المواطنة وقد وفق في ذلك توفيقا كبيرا جدا.

والنقطة الأخيرة وهي تلك العلاقات السياسية الخارجية التي ربطت الأمير بقوى كبيرة، ثم أننا نجده في منفاه الاختياري في دمشق ذا تأثيرات وأيادي تسمح له بالتدخل في الوضع الجزائري بعد خضوعه للاستعمار الفرنسي ..وتمكن بذلك لأن يعطي الصورة للجزائريين بأنه القائد الذي بإمكانه أن يسير بالدولة إلى آخر رمق من حياته، وهو ما فعله بالتمام، مما هيكل بعد وفاته وجود نخبة سياسية استمدت من فكره صورة المقاومة، وصورة بناء الفكر السياسي للدولة الجزائرية، والذي أثمر لاحقا بوجود حركات فكرية وإصلاحية جزائرية أدت في نهاية المطاف لأن تقتنع بمشروع الثورة، وهو نفس المشروع الذي طرحة الأمير عبد القادر وهو أن استعادة الدولة الجزائرية يجب أن يكون بدرجة أساسية على اعتبار أن للدولة مقومات تختلف اختلافا كبيرا جدا عن دولة الاستعمار الموجود في الجزائر.

***ما الخانة التي يحتلها الأمير في سلمية القادة في العالم ؟

*** من حيث السلمية يجب أن نضعه ضمن خانة يشترك فيها القادة الكبار.

الخانة الأولى أنه كان قائدا كاريزميا، لديه المميزات الكاريزمية التي جعله يجذب نحوه فئات كبيرة من الجماهير.

ثانيا: أنه كان صاحب منظومة عقائدية عرفانية تجعل صيته يغادر الحدود الجزائرية إلى أفاق عربية وإسلامية، وهذه الصفة نجدها نادرا في الكثير من القادة التاريخيين.

المسالة الثالثة قدرته الفائقة على التنظيم السياسي للقبائل، حيث كان من الصعب سابقا أن يتحكم في القبائل، فتمكن من يخضع القبائل كلها تحت إطار سياسي جديد يخدم الأمة ولا يخدم القبيلة .

النقطة الرابعة، فهي حسن ضبطه لموقعة الجزائر في فضائها العربي والإسلامي، في كتاباته هذه الصورة واضحة جدا في فكره، وهي أنه ربط واقع الجزائر، بمصيرها العربي والإسلامي.

أما النقطة الخامسة فهي حفاظه على الهوية الثقافية التاريخية للمجتمع الجزائري في زمن حربي شديد، ولم يتنازل ولو ببند واحد عن هذه الخصائص التاريخية التي شكلت المجتمع الجزائري ووضعته كبصمة ثابة في المجتمعات العربية الإسلامية ووفق في ذلك توفيقا كبيرا جدا. ومن خلال هذه المميزات اكتسب الجزائريون من فكره وسلوكه طباع وأساليب التعامل مع هذا الوجود العسكري الاستعماري، الذي كان طابعه استعماري تغريبي في الجزائر .

يسلمووووووووووووو